العقـاب في الإسلام
ميزات العقاب في الإسلام
أولاً يجمع بين العدل و الرحمة، و الجمع بينهما ليس من السهولة بمكان ، ففي الوقت الذي غلبت القوانين الحديثة منطق الرحمة اعتمادا على العبارة المشهورة _العدل فوق القانون و الرحمة فوق العدل – و أصبح اهتمامها منصبا على الجاني وحده فتتحدث عن سلوكه الإجرامي، و طبيعة فعله، فاعل أصلي أم شريك، و ظروفه و أعذاره دون أدنى اهتمام بالمجني عليه، في توجه واضح ضد العدل، و اعتماد مفضوح على الإحساس دون العقل،
وبالتالي فإن العقاب المطبق لا يعود على المجني عليه أو وليه بأي فائدة و لا بأي إحساس، وهذا ناشئ عن إذابة حق الفرد في حق الدولة و المجتمع،
أما الإسلام فإنه أبقى على حق الفرد وكيانه مستقلا عن الدولة، و أخذ بالعدل و لكنه لم يهمل الرحمة، و العدل يقتضي أن من أجرم يعاقب، وفي هذا رحمة عامة بالمجتمع كله، كما أنه أبقى هامشا للرحمة الخاصة و لكنها في إطار العدل، وذلك حين خير المجني عليه أو وليه بعقاب المجرم أو التصالح معه أو العفو عنه ورغب في العفو، قال تعالى : ( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف و أداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم و رحمة ) والرحمة التي أقرها الإسلام موزعة بين الجاني والمجني عليه، فأين هذا من العفو الذي يصدره حكام اليوم على القتلة والمجرمين، وحتى لو حكم على القاتل بالإعدام فإن هذه العقوبة لا تكاد تطبق،
ثانياً المساواة بين الناس في العقاب :
لا تفرق العقوبات في الشريعة الإسلامية بين حاكم ومحكوم ،ولا بين شريف ووضيع، إذ أن كل الناس أمام العقاب سواء، لا فرق بين رئيس الدولة و أضعف إنسان فيها
والأمثلة على هذا في تاريخ الإسلام كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال حديث المرأة المخزومية الشهير ،و حكم عمر على جبلة ابن الأيهم الذي لطم رجلا من فزاره وأمر عمر بالقصاص منه و فعل عمر مع عمرو ابن العاص والي مصر و ابنه الذي ضرب ابن القبطي
،و بمثل هذه الأحكام و ميزاتها يكون القضاء على ظلم الحكام والمسؤولين .
ولا نجد مثل هذه المساواة في القوانين العقابية الحديثة
بل إن تمييز بعض المسؤولين أصبح أمرا مقننا تحت ما يسمى بالحصانة،
سواء كانت ديبلوماسية أو برلمانية، ومن شأن هذه الحصانة أن تدفع إلى الإجرام لأن المتمتع بها لا يخشى ما يخشاه سائر الناس من خوف من العقاب، وهذا ما لاحظناه بالنسبة لبعض المتمتعين بالحصانة، فهذا يخرج مسدسه لأتفه سبب ويهدد بالقتل، وذاك أطلق النار على من كان له معه خلاف، وذلك أنقذته من المحاكمة بفرنسا حصانة ديبلوماسية .وكل ما ارتكبه هؤلاء ما كان ليحدث لو كانت هناك مساواة بين كل الناس .
ثالثاً يمتاز العقاب في الإسلام بكونه يحقق الردع، ويجبر خاطر المجني عليه أو وليه،
وهذان العنصران ضروريان جدا في العقاب، فأما الردع ويقصد به أن العقوبة عندما توقع على مجرم معين تصرفه عن العودة إلى هذه الجريمة، وهذا هو الردع الخاص، كما تصرف غيره عن فعل مثلها، و هذا هو الردع العام، و كل عقوبة لا تحقق الردع بنوعيه فهي لغو ضررها أكبر من نفعها، و العرب في الجاهلية كانوا يراعون هذا الهدف، فعندما كانوا يقتلون القاتل يقولون : (القتل أنفى للقتل) – فقتله يمنع الثأر وما ينجر عنه، و يمنع باقي الناس من القتل، و الذي يتأمل في العقوبات الشرعية يلاحظ بوضوح هذه الخاصية، فالذي يسرق مثلا و تقطع يده، فإن مظهر يده المقطوعة أكبر رادع بحيث تذكره هو و تذكر غيره بعقاب السرقة فيتحاشونها، و نفس الشيء يقال عن عقوبة الزنا، و يفهم الردع جيدا في قوله تعالى: (و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين )
وأما القانون الوضعي فلا يتوفر على هذه الخاصية و دليل ذلك كثرة العود في ارتكاب الجريمة الواحدة نظرا لتفاهة العقوبة،
وأما الجبر فيقصد به عمل شيء ما، يرضي الأولياء، ويواسيهم جراء ما وقع عليهم، وله أهمية أوسع وأبلغ من أهمية الردع، ذلك أن الردع قد يمنع المجرم من العود، كما يمنع بعض الناس من الجريمة، أما الجبر فإنه إذا لم يراع فإنه يؤدي بالتأكيد إلى وقوع جرائم أخرى من قبل أولياء المجني عليه أو خصومهم،
والمتأمل في العقوبات التي جاء بها الإسلام يلاحظ لأول وهلة فعاليتها في مكافحة الجريمة، بسبب تحقيقها للردع والزجر والجبر، فالقصاص الذي يطبق في الجرائم العمدية سواء كانت قتلا أو جرحا أو ضربا يمنع الجاني بلا شك من العود كما يمنع غيره من أن يسلك سبيله،
العقوبات الأخرى : الكفارة عقوبة أيضا،
ولكنها تختلف عما سبق من عقوبات وهي تتعلق بجرائم القتل لا غير، وتختص بالصيام أو العتق، ووجه اختلافها عما تقدم ذكره من عقوبات أن تنفيذها ذاتي موكول إلى الجاني نفسه فلا القاضي ولا الحاكم يمكنه أن يلزمه بها، ولذلك فهي مرتبطة بإيمان الجاني ليستدرك ما فاته بارتكابه للجريمة، وهذه الكفارة من شأنها أن تمحو الإثم الذي اقترفه، ومشروعيتها فيها ربط واضح للفرد بالإيمان بالله واليوم الآخر وتذكير بذلك بعد النسيان أو الإهمال الذي أصابه أثناء ارتكاب الجريمة .