اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على
جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو( cedaw) عام 1979 ، ودخلت الاتفاقية
حيّز التنفيذ في 3 أيلول / سبتمبر 1981 كاتفاقية دولية
وكانت الحكومة الاردنية قد وقعت على اتفاقية سيداو عام 1992، وبعد 15 عاما
قامت بالمصادقة النهائية عليها وذلك بنشرها بالجريدة الرسمية في تموز
(يوليو) 2007، وبذا تكون قد ادخلت الاتفاقية الدولية حيز التنفيذ ضمن نطاق
القوانين الاردنية. وقد تحفظ الأردن آنذاك على ثلاثة مواد هي (16،15،9)
ولا نعلم لماذا الحكومه رفعت تحفظها على المادة 15
وقالت انه لا يعارض القانون الأردني ... والتي تتعلق بالمساواة بين الرجل
والمرأة امام القضاء ومنحها حرية التنقل والسفر،وحرية الأشخاص وحرية
إختيار أماكن سكناهم.
وتتكون الاتفاقية من 16 مادة اساسية تتعلق بالتدابير لتحقيق المساواة من
حيث: تعريف التمييز، التشريع، الحريات الاساسية، التدابير المؤقتة،
الادوار النمطية، الاتجار، المشاركة السياسية، التمثيل، الجنسية، التعليم،
العمل، الصحة، الاستحقاقات، المراة الريفية، المساواة القانونية، الزواج
والعلاقات الاسرية وباقي المواد تتعلق بالامور الادارية .
ورفضت كل من أمريكا وسويسرا التوقيع عليها لأن بعض بنودها يتعارض مع دستورهما !!!.
بعض الذين يدافعون عن اتفاقية سيداو يسعى من حيث يعلم او لايعلم في الأرض
فساداً . ويريد إغراق بلدنا في هذا الفساد, مستغلاً حماس البعض الآخر منا
لشعارات حرية المرأة، ولشعارات الحداثة، وغيرها من الشعارات البراقة التي
تخطف الأبصار. وتجعل بعضنا يسير على غير هدى وبصيره، خلف الفاسدين
المفسدين في الأرض. الذين يأخذ افسادهم أشكالاً شتى من بينها الاتفاقيات
الدولية. التي صار من الثابت أنها تحولت إلى أداة لتدخل القوى الكبرى في
الشؤون الداخلية للشعوب. ومحاولة إعادة تركيب بُنى هذه الشعوب الثقافية،
والاجتماعية، والتشريعية وفق المنظور الغربي الذي لا يعترف بالآخر
وخصوصياته، خاصة إذا كان هذا الآخر نحن المسلمين.
رغم أن الاتفاقية احتوت نقاطا قليلة إيجابية وخاصة في مجال حقوق المرأة
وقت الولادة من ناحية الصحة والراحة، وحق المرأة في التعليم , ومحاربة
جميع أشكال الإتجار بالمرأة واستغلالها في الدعارة , وبعض مسائل أخرى، إلا
أن تلك النقاط الإيجابية تغرق في بحر النقاط السلبية التي
تتضمنهاالاتفاقية.
ورغم انه تم رفع ثلاث مذكرات وقع عليها 62 عالم شريعة من الجامعات
الاردنية الى رئيس الوزراء ورئيس مجلس الاعيان ورئيس مجلس النواب قبل عدة
شهور، تطالبهم بعدم رفع التحفظات عن بعض بنود اتفاقية سيداو والتي تتناقض
مع اسس الشريعة الاسلامية والقيم والتقاليد والاعراف التي يؤمن بها ابناء
الشعب الاردني, وتسهم في تفكيك الاسرة وتخل بمكانة المرأة .
وشددت المذكرة على ان هذا البلد سيكون باذن الله مع دين الله وثوابت هذه الامة وقيمها ولن يحيد عنها.
هناك خشية حقيقة من ان رفع الحكومة الاردنية تحفظاتها سيؤدي الى السماح
لمثليي الجنس في الاردن، طلب ترخيص جمعيات خاصة بهم, خصوصا بعد ان قام
ثلاثة من متليي الجنس بتقديم طلب الى وزارة التنمية الاجتماعية للحصول على
رخصة افتتاح جمعية خاصة بهم قبل شهور.
هناك جملة اسباب حقيقة تدعو إلى رفض هذه الاتفاقية.
وأول ذلك أن الاتفاقية تشكل حالة تمرد على الخالق عز وجل, عبر التمرد على
الطبيعة السوية للإنسان, عندما نص بندها السادس عشر على فصل الدور عن
الجنس. وعلى التساوي المطلق والتماثل التام بين الرجل والمرأة. وعدم إلصاق
الأمومة ورعاية الأسرة بالمرأة. فالمادة (ب/ 5) من الاتفاقية تنص على أن الأمومة وظيفة اجتماعية. أما المادة (5/أ)
فتنص على تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة بهدف
القضاء على الأدوار النمطية. كذلك فان الاتفاقية تلغي ولاية الأب على
ابنته. وتسمح بزواج المسلمة من غير المسلم. و تعتبر أي فوارق بين الرجل
والأنثى تميزاً وعنفاً ضد المرأة.
ومثلما أن الاتفاقية حالة تمرد على الخالق. فإنها تمثل حالة تمرد على مجمل
عقائدنا. وعلى استقر ارنا الاجتماعي. وتشكل خطراً جسيماً على الأسرة
الأردنية. وتهدد مجتمعنا بالمزيد من التشرذم. خاصة عندما تعطي المرأة حرية
السكن. ولا نعني هنا اشتراط السكن عند عقد القران، ولكنها حرية مطلقة
للمرأة ، أن تمارسها متى تشاء. دون إذن أبيها أو أخيها، أو زوجها. مما
يعني في صورة من الصور أن تقتصر العلاقة الزوجية على لحظة الرغبة الجنسية.
فإذا قضيت هذه الرغبة انتقل كل زوج إلى مكان سكنه، وهذا تناقض صارخ مع
مفهوم المودة، والسكينة، الذي يشكل أساس الزواج الإسلامي. كما أن
الاتفاقية تسمح بإقامة علاقات غير شرعية خارج إطار الزواج الشرعي .كذلك تضمن المادة الثالثة عشرة من الاتفاقية طلب
المساواة بين الرجل والمرأة في الاستحقاقات الأسرية المالية وغيرها، ومن
ذلك المساواة في الميراث، فيكون على أساس هذه المادة تتساوى نسبة الميراث
للأبناء والبنات من مال آبائهن، ويتماثل نصيب الزوجة من مال زوجها مع
نصيبه الموروث من مالها إن ماتت قبله، وتضمنت المادة الثانية عشرة طلب
توفير الخدمات الصحية الكاملة للمرأة وبدون تمييز، ومن ذلك توفير موانع
الحمل للمرأة بغض النظر عن كونها متزوجة أو غير متزوجة، فهو شكل من أشكال
التمييز المرفوض بحسب الاتفاقية، وفي هذا إشاعة للفاحشة وتسهيل لها، وهي
لا تعبر فاحشة أصلا في المفاهيم الغربية والعلمانية المنحرفة . كما تظمنت المواد العاشرة والحادية عشرة من الاتفاقية
المساواة المطلقة في التعليم ومناهجه بما فيها الرياضية والفنية، والقضاء
على أشكال التمييز في فصل الطالبات عن الطلاب في المدراس .
وهنا نحب أن نذكر أن المجتمع الأردني مجتمع مسلم بسكانه وبتاريخه السياسي
والاجتماعي والثقافي. يتساوى في الدفاع عن قيمة المسلم والمسيحي ومن ثم لا
يجوز أن يبقى استقرارنا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي رهين حفنة من
النساء والرجال، الذين انفلت عقالهم من كل قيم الأمة وأعرافها وتقاليدها،
استجابة لنزوات ، وتحقيقاً لمكاسب شخصية يؤمنها لهم التمويل الأجنبي، الذي
حولهم إلى أدوات لتنفيذ أجنداته.ولا تكتفي اتفاقية سيداو بان تفرض علينا
التحلل من منظومتنا القيمية وتعديل تشريعاتنا لخدمة أهدافها، بل أنها تريد
منا أن نلغي عقولنا وخصوصيتنا الثقافية ، وتحجر على رأينا عندما نصّت أنه
لا يجوز إبداء أي تحفظ يكون منافياً لموضوع الاتفاقية وغرضها.
بالاضافة الى ان اتفاقية سيداو تفرض على هذه الدول تقديم تقارير دورية عن
مدى تطبيق الاتفاقية، كما أنها تفرض بشكل الزامي على هذه الدول تعديل
تشريعاتها لخدمة أهداف هذه الاتفاقيات. التي تربط المنح والمساعدات للدول
الفقيرة بتنفيذ هذه الاتفاقيات. وكلها ممارسات تصب في خانة الانتقاص من
سيادة الدول.
ان فرض مفاهيم وقيم خاصة غربية علينا يمثل أبشع عملية استباحة ثقافية،
وتغيب للخصوصية الثقافية لشعوب الأرض غير الغربية خاصة الإسلامية منها؟؟
وهي استباحة تسعى إلى إلغاء التنوع البشري وصبه في قالب واحد، مما يتنافى
مع حكمة الخالق في التنوع.
للمدافعين عن اتفاقية سيداو نقول:
إذا كان قبولكم للاتفاقية بسبب عدم تعارضها مع الشريعة الإسلامية. فلماذا
لا تعملون على تطبيق هذه الشريعة في حياة الناس، خاصة في مجال المرأة
بدلاً من استيراد صيغ مثيرة للجدل. وغير منسجمة مع قيمنا وتقاليدنا وقبل
ذلك مع شريعتنا؟!
أما حكاية أن سيداو مطلب وطني واستجابة لرغبات المنظمات النسائية في
الأردن ، فهي حكاية مضحكة، فيها الكثير من الافتراء على إرادة أبناء
الوطن، وتزوير لهذه الإرادة. وإذا كان الأمر كما تقولون، فاطرحوا
الاتفاقية على الاستفتاء الشعبي العام، لنرى هل هي مطلب وطني أم لا؟ أما
أنها استجابة لرغبات المنظمات النسائية . فالسؤال هو: ما هي المنظمات ؟
وكم تمثل؟ وهل تستطيع إيصال واحدة من عضواتها إلى مجلس النواب في انتخابات
حرة نزيهة؟
فإن من حقنا أن نقول أنه لا يجوز أن تخضع ثوابت الأمة وتعاليم دينها
للنقاش. من قبل كل من هب ودب . ولا يجوز أن تكون مرجعية الحكم على
معتقداتنا الدينية، وسلوكنا الاجتماعي. هي افرازات التجربة الغربية بكل ما
فيها من سوءات.
وعلى العلماء والقانونين والمحامون وشرفاء الامة من رجالها ونسائها أن
يقودوا تحركاً جماعياً لتحصين المجتمع والدفاع عن قيمه، وعليهم أن يحرضوا
على قيام تحرك نسوي جاد للوقوف أمام حفنة النساء اللواتي صادرن رأي المرأة
في بلادنا، لحساب أجندات خارجية.
وأخيرا نتساءل: لماذا هذا التركيز على قضايا المرأة وتناسي قضايا أشد
خطورة وأهمية مثل قضايا الفقر والفساد، وكلاهما يأكل حقوق المرأة والرجل
معاً .