لأنَّ الله هو الذي أسّس الزّواج من بداية تاريخ الإنسان، لذلك أرسى القواعد التي يقوم عليها هذا النّظام
وحدّدَ بوضوح العوامل اللازمة لنجاحه. فهذه المبادئ الإلهية التي وُضِعتْ منذ أكثر من 6000 عام إن أُهملتْ أو استُبدلتْ بمبادئ بشرية، لن ينتج عن ذلك سوى التشويش والاضطراب في العلاقات الزوجية.
أولاً: الغرض الأساسي للزواج هو الشركة والرِّفقة
نرى الرب في سفر التكوين أنه رأى آدم في وحدته وشعر بما في نفسه من وحشة، فأشفق عليه ومنحه زوجة ترافقه في رحلته وتُؤنس غربته تكوين 2: 18 . ونفهم أنَّ الزوجة هي رفيقة زوجها مدى الحياة، وأنَّ اقترانهما معاً تمّ بموجب عهد قُطع قُدّام الرب كما يتوضّح لنا في سِفر ملاخي 2: 14 . وهذا أمر جوهري لنجاح الحياة الزوجية، لأنّه من الممكن أن يعيش زوجان معاً تحت سقف واحد دون أن يكون بينهما شركة فعلية. وهذا ما تقوله كلمة الرب في سِفر النّبي عاموس 3: 3 .
ثانياً: دور شريك الحياة هو المُعين "فأصنع له معيناً نظيره"
ما أسمى الدَّور الذي أوجده الله للمرأة لتقوم به، فهي مُعين مُشابِه للرّجُل تماماً ومُكمِّل له. وما أجمل كلمة مُعين فهي تعني: شخص يُؤازر آخَر ويساعده للقيام بمسؤولياته على أكمل وجه. كم هو هام لكل زوجة مخلصة أن تسأل نفْسها: هل أنا مُعينة لزوجي حقاً؟ هل أشاركه تحمّل مسؤولياته؟ هل أخفِّف من أعبائه وأحماله؟ هل أشجِّعه وأدفعه للأمام فيكون أكثر نموّاً وتقدُّماً وأكثر نفعاً لمجد الله؟
ولكل زوج، هل تنظر لزوجتك كالشّريك الذي لا يمكنك الاستغناء عنه؟ تشكر الرب لأجلها؟ تطلب معونة من الرب لها في كل صلاة؟ هل تقدِّرها وتُكرِمها؟
ثالثاً: المرأة قريبة من قلب الرّجُل
يذكر لنا سِفر التكوين 2: 21 . لماذا من أضلاعه؟ أ لم يكن من الأسهل أن تُؤخَذ من مكان آخَر؟ قال القديس أغسطينوس: "لو قصد الله أن تُسيطر المرأة على الرّجُل لأخذَها من رأسه، ولو قصد أن يسيطر الرّجُل عليها ويتحكّم فيها لأخذَها من أحد أصابع قدميه، لكنَّه خلقها من جنبه لتكون معيناً مساوياً له". الرب يريد من كل زوج أن يقدِّر زوجته ويُكرِمها ويُراعي مشاعرها، في طريقة كلامه وأسلوب تصرّفه.
رابعاً: المرأة مُعطاة من الله "وأحضرها إلى آدم "
الرب بنفْسه أحضرها إليه، فهو لم يكلِّف ملاكاً بذلك، بل ليبيّن اهتمامه الخاص بآدم قام بإحضارها له بنفْسه، وكأنَّه يقول له: هذه عطيّة لك.
يظن البعض أنَّ شريك الحياة المرتَّب من الله ينبغي أن يكون صورة طبق الأصل من الآخَر، هذا ليس صحيحاً، فالاختلافات ليست مدعاة للخلافات بل لمزيد من التقارب والتفاهم بل والنضوج. وطالما اقتنع الاثنان بأنَّ كلاًّ منهما عطية الله للآخَر، سيبذلان كل جهد لتحقيق قصد الله من اتّحادهما معاً قدّام الرب واهتمامهما معاً بخدمة الرب.
القاعدة الذّهبية للزواج:
يعلّمنا الله في سِفر التكوين 2: 24 . والرب يسوع في تعليمه عن الزواج، اقتبس ذات العبارة موضِّحاً أنَّها تقدِّم الفكر الإلهي عن الزواج. والرسول بولس اقتبس ذات العبارة في معرض حديثه عن العلاقات الزوجية، مؤكِّداً أنَّها القاعدة الأساسية للزواج وذلك في رسالته إلى أهل أفسس 5: 31 . في هذه العبارة نجد إشارة إلى أمر أساسي في الزواج وهو:
النضوج: الحديث هنا هو عن رَجُل وامرأته "يترك الرّجُل، يلتصق بامرأته"، بمعنى أنَّ الزواج كما رتّبه الله ينبغي أن يتمّ بين طرفَين ناضجَين. والمقصود بالنضوج هو النضج النفْسي والعاطفي وكذلك الرّوحي أيضاً. والشخص الناضج هو: من يتحمّل المسؤولية مهما كلّفته من تضحية، لا يتهرّب من مواجهة الصِّعاب لا يُحمَل بمشاعره وانفعالاته، يتّسم بالتفكير الموضوعي الواقعي، يستفيد من أخطائه ويقبل اقتراحات الآخَرين ولا يتشبّث برأيه، يجد سعادته العظمى في خدمة الآخَرين وإسعادهم. إن ظهرت هذه السِّمات في الشّريكَين ستساعدهما على نجاح حياتهما الزوجية.
التَّرْك، الالتصاق، الوحدة
أوّلاً التَّرْك: "يترك الرّجُل أباه وأمّه"
لكي لا يُساء فهم هذه الكلمة، دعونا نوضّح أوّلاً أنَّ التَّرْك لا يعني هَجر الوالدَين أو إهمالهما أو التقصير في القيام بالمسؤولية من نحوهما، مادية كانت أم معنوية. فالوصية واضحة في سفر الخروج 20: 12 . إذاً العناية بالوالدَين خاصة عند الشيخوخة أمر يوصينا به الكتاب المقدس، وكل تقصير فيه يجلب اللوم على الشهادة المسيحية. لكن التَّرْك للرّجُل يعني انتهاء علاقة الطفولة بالوالدَين والتخلُّص من الرِّباط العاطفي الذي كان يربطه كطفل بوالدَيه.
ثانياً الالتصاق: "ويلتصق بامرأته"
كلمة يلتصق في العِبرية تشير إلى مادة لاصقة كالصّمغ أو الغِراء يتمّ بواسطتها لصق جزأَين معاً، والمراد هنا دوام العلاقة الزوجية مدى الحياة. وكلمات الرب يسوع تُلقي ضوءاً هاماً على مفهوم الالتصاق، فعندما سأله الفرِّيسيّون عن موضوع الطلاق في إنجيل البشير مرقس 10: 6 - 9 ، أشار إلى ما رتّبه الله من البداية، مقتبساً العبارة التي نحن بصددها، مضيفاً: "... إِذاً لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إِنْسَانٌ".
وبهذا أكّد المسيح أنَّ علاقة الزواج دائمة مدى الحياة، وأنَّه لا يجوز لأيّ إنسان بما في ذلك أحد الطرفَين أن يُنهيها، وإلاّ فهو بذلك يخالف الوصية الإلهية.
ثالثاً الوحدة: "ويكونان جسداً واحداً"
عندما يقول الكتاب: "ويكونان جسداً واحداً"، فإنَّه لا يقصد بذلك الاتّحاد الجسدي للزوجَين فقط، بل الاتّحاد الكلّي للشخصيّتين. ونلاحظ أنَّ الكتاب يستخدم كلمتَين مختلفتَين للتعبير عن الجسد الواحد في رسالة الرسول بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 6: 16 . وهو يقصد بذلك " One body"، لوصف الإتّحاد الجسدي فقط. أمّا في سفر التكوين 2: 24 . أي شخص واحد وكيان واحد لوصف الاتّحاد في كل جوانبه. إذ قصد الرب أن يصبح الاثنان كياناً واحداً، له أفكار مشتركة ومشاعر مشتركة. وهذا لا يتمّ بصورة تلقائية لمجرّد إتمام الزواج لكنه يستغرق وقتاً طويلاً ويحتاج لجهد مشترك.
وليس المقصود بالجسد الواحد أن يصير كل فرد منهما صورة طبق الأصل من الآخَر، فلم تكن حوّاء نسخة من آدم، لكنَّها مختلفة عنه ومُكمِّلة له.
من المبادئ الهامة التي تقدِّمها كلمة الله وتساعد على وحدة الزوجين، ما نجده في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 15: 1 - 7 .
على الطَّرَف القوي "روحياً" تحمُّل الطّرَف الضعيف، هذا ما نجده في العدد الأول: "فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءِ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ وَلاَ نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا". فليتدرّب كل من الزوجين على قبول الآخَر قبولاً غير مشروط، على غرار قبول المسيح له هو شخصياً. هذا ما نجده في العدد السابع: "لِذلِكَ اقْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضاً قَبِلَنَا لِمَجْدِ اللهِ". وليحرص الزوجان أن يتوافقا معاً فكرياً وأن يتجنّبا كل عناد واختلاف، حتى يتمكّنا من تحقيق الغاية العظمى من اتّحادهما معاً ألا وهي تمجيد الله،