بدأت ظاهرة أطفال الشوارع فى الظهور بشكل واضح فى ثمانينيات القرن الماضى، كانعكاس للتطورات الاقتصادية التى شهدتها البلاد آنذاك، والتى تفاقمت فى ظلها الأمراض الاجتماعية المعروفة، مضافاً إليها زيادة نسب البطالة، واتساع مسبِّبات التفكك الأسرى نتيجة لذلك، ولم تُحقِّق خطط وإستراتيجيات المواجهة على المستوى الوطنى أى نجاحات ملحوظة فى هذا الميدان، نتيجة التركيز على معالجة الآثار دون الأسباب، وقد أدَّى ذلك إلى ازدياد ونمو هذه الظاهرة بمُعدَّلات سريعة ومتلاحقة تفوق بكثير الخطط الوطنية لمواجهة الفقر والبطالة والأزمات والإسكان والتسرب من التعليم والرعاية الصحية(1).
وتحولت الظاهرة على مدى الأعوام السابقة إلى ظاهرة مخيفة باتت تهدد الأمن والاستقرار الاجتماعى فى المجتمع، حيث أصبحت تُشكِّل بؤر سرطانية، تأويها الجحور والشقوق والمهملات والمنقولات المتروكة بالشوارع، وظهرت مع مرور الزمن، وزادت خطورتها فى ظل الأوضاع والظروف المتردية، وفى إطار هذه التجمعات لأطفال الشوارع ظهرت عناصر احترفت استقطاب الوافدين الجدد من الأطفال وإرهابهم لاستخدامهم فى ارتكاب الأنشطة الإجرامية، فضلاً عن تعرُّضهم للانتهاكات الجنسية، إضافة إلى إمكانية تعرضهم للقتل للتخلص من آثار تلك الجرائم.
والواقع أن التصدِّى لهذه الكارثة يقتضى تبنِّى حزمه متكاملة من الإجراءات غير المسبوقة، والتى تهدف إلى تجفيف المنابع والقضاء على أسباب تفاقمها وليس الاستمرار فقط فى مواجهة آثارها. وهذا يقتضى بالضرورة النظر إلى هؤلاء الأطفال باعتبارهم الإفراز الطبيعى للبيئة الاجتماعية المثقلة بأخطر الأمراض المؤدية بالضرورة إلى التفكك الأسرى باعتباره السبب الرئيسى لظهور أطفال الشوارع.
ولذلك ينبغى عدم التعامل مع أطفال الشوارع باعتبارهم فى حالة من حالات التعرض للانحراف طبقا للقانون السارى، وإنما اعتبارهم فى حالة خطورة اجتماعية، ومن ثم ينبغى التعامل معهم فى إطار قانون جديد للأمن الاجتماعى، أو من خلال تعديل باب الرعاية الاجتماعية بقانون الطفل. على أن يكون التعامل معهم من خلال اتخاذ تدابير تربوية بعيدة عن الإجراءات الجنائية العادية.
ولقد بات مصطلح "أطفال الشوارع"(2) معروفاً فى أدبيات التنمية البشرية، وهو من أهم القضايا وأخطرها نظراً لتداخل أبعادها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، ولتزايدها واستفحالها فى بعض الدول النامية، والدول المتقدِّمة على حدّ سواء، ولذلك فهى مشكلة عالمية تفرض نفسها، وتستقطب اهتمام المعنيين بالتنمية البشرية وحقوق الإنسان. فمرحلة الطفولة تتصف بحساسية شديدة لأنها المرحلة التى تتأسس عليها حياة الإنسان، ولذلك فهى تتطلب الرعاية والحماية من خلال توفير عوامل وبيئات التنشئة المتوازنة، ففى هذه المرحلة يكتسب الطفل القيم والسلوكيات، وتتشكل رؤيته لمحيطة من أسرة ومجتمع، ومن هنا فإن حدوث أى خلل يدفع بالطفل إلى الإحساس بأن حياته أصبحت مهددة حاضراً ومستقبلاً.
وتأتى هذه الورقة بهدف إلقاء الضوء على بعض التشريعات الحاكمة لحقوق الأطفال فى مصر، بالإضافة إلى عرض بعض تجارب الدول العربية والدول المتقدِّمة فى مواجهة ظاهرة أطفال الشوارع، وأهم الآليات المستخدمة فى معالجة هذه الظاهرة والتصدِّى لها، بغية الوصول إلى أهم الممارسات الدولية لمواجهة هذه الظاهرة. هدف قانون الطفل وإجراءاته
أوضحت المادة الأولى - من قانون الالتزام بأحكام الدستور المصرى - كفالة الدولة لحماية الطفولة والأمومة ورعاية الأطفال، والعمل على تهيئة الظروف المناسبة لتنشئتهم التنشئة الصحيحة فى كافة النواحى فى إطار من الحرية والكرامة الإنسانية.
ويؤكِّد الالتزام الملقى على الدولة من حيث تطبيق هذا القانون بالكامل، أى رعاية الطفولة وتهيئة الظروف الصحيحة والمناسبة لتنشئتهم هى مسؤولية المجتمع بالدرجة الأولى، حيث يتعين عليه – أى المجتمع - القيام بها فى إطار من القواعد القانونية الواضحة التى يلتزم بها كافة الأفراد، من أجل الحفاظ على مسيرة تواجد المجتمع ذاته فى ظل القيم والأصول التى يحرص على استمرارها وتطويرها، من خلال رؤية شاملة تحفظ للمجتمع أمنه واستقراره.
ويأتى هذا الالتزام استكمالاً لدور الأسرة الأساسى فى تنشئة أبنائها، حيث يتمحور هذا الالتزام فى شِقَّين أساسيين هما:
1. الحفاظ على الأسرة وتماسكها باعتبارها اللبنة الأولى للمجتمع، وتعظيم دورها فى تنشئة الأبناء لكونها البيئة الصحية لذلك، ومساعدتها على تولى مسؤوليتها فى هذا الشأن.
2. التدخُّل فى إطار الحالات التى تقضى ذلك باعتبار أن المجتمع هو الأسرة الأم، ومن ثم يتعيَّن أن يكون التدخل فى إطار المشروعية التى تحفظ لكافة الأطراف حقوقهم الشرعية والشخصية.
ومن هذا المنطلق الفكرى جاء القانون موضحاً هذا الهدف ساعياً لتحقيقه من خلال ما نص عليه من قواعد قانونية تتعلق بتنفيذ هذا الالتزام الملقى على الدولة، من حيث وضع تشريعات حيوية وفعَّالة تحفظ وتحمى حقوق الطفل.
- المرفقات
- 99.gif
- ان الحياه انتصار للاقوياء في نفوسهم .......لا للضعفاء !!!!
- لا تتوفر على صلاحيات كافية لتحميل هذه المرفقات.
- (20 Ko) عدد مرات التنزيل 1